حياتنا على الأرض عبور من الأرض إلى السماء، لأنَّنا أصلًا مواطنو السماء. العبور الترابيُّ-السماويُّ حقَّقه القدِّيسون والقدِّيسات، سواء أكانوا إكليريكيِّين أم لا. لا يهمُّ، لأنَّنا كلَّنا مدعوُّون إلى القداسة.
يظهر العبور جليًّا في حياة القدِّيس ذيميتريوس (270-305/6م)، أو ديميتريوس وفق اللهجة العربيَّة، والَّذي نقيم تذكاره في السادس والعشرين من شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر.
إسم ذيميتريوس مرتبط بالأساس بالإلهة الإغريقيَّة الوثنيَّة Demeter – Δημήτηρ، إلهة الحصاد والزراعة والخصوبة، وهي أيضًا إلهة الصحَّة والولادة والزواج، وأيضًا مرتبطة بالعالم السفليِّ. كما كانت تدعى ديّو (Δηώ Dēṓ) أي اثنان لأنَّها الطفلة الثانية للإله Krónos وزوجته Rhea. ومثلها كمثل أشقَّائها الآخرين باستثناء زيوس، ابتلعها والدها وهي طفلة وأنقذها الإله Zeus.
تركيبة وثنيَّة عبَّر من خلالها الإنسان عن قوى عظمة كونيَّة، لكونه عاش في بحث وجوديٍّ منذ القدم.
البحث أجاب عنه الربُّ يسوع المسيح الإله المتجسِّد في علاقة شخصيَّة مع كلِّ واحد منَّا، وما علينا إلَّا أن نقابله في خطوته الأولى بنزوله إلينا لنرتفع معه.
قدِّيسنا ديمتريوس حقَّق هذا اللقاء، وبالمسيح حوَّل اسمه من فيض للحبوب إلى فيض للنِعمٍ والطيب فأصبح اسمه "المفيض الطيِّب".
ولد ديمتريوس في تسالونيكي في اليونان من عائلة أشراف في المدينة، ومن والدَين تقيَّين. هو شفيع المدينة ويقام في عيده زيَّاح مهيب في شوارعها وصولًا إلى البازيليك المشيَّدة على اسمه، حيث رفاته الَّتي تفيض طيبًا. تضم الكنيسة الحاليّة كنيسة من القرن الرّابع الميلاديّ.
كذلك يدعى العظيم في الشهداء لكونه استشهد في مدينة تسالونيكي طعنًا بالرماح، (كما نراه في بعض الأيقونات)، بعد أن كان نائبًا لها، لرفضه تقديم الأضحيَّة للآلهة الوثنيَّة ونكران إيمانه بالمسيح. كما كان قائدًا عسكريًّا في الجيش الرومانيِّ ودافع بشراسة عن مدينته في وجه السلافيِّين.
هناك ما يعرف بعظات عن عجائب القدِّيس ديمتريوس من القرن السابع الميلاديِّ، مدوَّنة باليونانيَّة، الجزء الأوَّل منها نصَّها رئيس أساقفة تسالونيكي، المدعوُّ يوحنَّا، بين العامين 610 و620 ميلاديًّا. والجزء الثاني من العظات هو كناية عن شهادات حيَّة.
من ناحية الفنِّ التصويريِّ الكنسيِّ، هناك مجموعة فسيفساء من القرن السابع الميلاديِّ، وحتَّى قبل ذلك للقدِّيس بأوضاع مختلفة موجودة في الكنيسة في تسالونيكي، منها ملاك في الجنّة يبارك القدّيس ذيميتريوس الذي يبدو في وضع المنتصر والظافر بعد استشهاده الملاك قد ينفخ في بوق أو ربما يحمل عصا مغطاة بالذهب. هذا هو حال القدّيسن الذين جاهدوا من أجل المسيح وثبتوا فيه. نشاهد في الخلف الجبل المقدّس كما ذكر إشعياء النبيّ (إش 27)، وهي الحالة الأخرويّة المنتظرة التي افتتحها الرّب بقيامته. ويظهر فيها أجنحة أخرى لملائكة آخرين، وغيرها يتوسَّط ذيمتريوس رئيس الأساقفة يوحنَّا وحاكم المدينة بوقتها. وامرأة وصبي يتقدّمان ليتناولا القدسات وذيميتريوس يرفع يديه استعدادًا للمناولة. يدا المرأة والصبي مغطات بالقماش دلالة على قدسية الحدث. تترجم هذه الفسيفساء اشتراك المؤمنين بالقداس الإلهي وتناولهما القدسات منذ القدم.
كما له أيقونة محفورة على خشب من العام 950-1000م نشاهده في لباسه العسكريِّ حاملًا رمحًا في يده اليمنى وعلى جانبه الأيسر ترس، واسمه مكتوب في الأعلى بالأحرف اليونانيَّة.
يرجِّح الباحثون أنَّ الشقَّ الموجود في قاعدة الإطار يحمل معيارًا لحمل الصورة في المواكب أو في المعارك. وتشير الثقوب المحفورة في الجزء الخلفيِّ إلى أنَّه ربَّما استُخدم في الغرب اللاتينيِّ كغطاء لكتاب.
ولا ننسَ طبعًا ما أتى في سيرة حياته أنَّ الامبراطور أمر بسجنه في مكان تحت الأرض رطب كريه الرائحة، استعدادًا لقتله بالحراب كما نرى في بعض الأيقونات، عندها طلب القدِّيس من خادمه الأمين لوبيوس بتوزيع ممتلكاته على الفقراء والمحتاجين.
ويحكى أنَّ السبب المباشر لإعدامه كان انتصار الشابِّ المسيحيِّ نستور على لاهوش، رجل الامبراطور، في حلبة المصارعة كما نرى في الأيقونات المرافقة.
ويروى أيضًا أنَّ لوبس أخذ رداء القدّيس وخاتمه من السجن بعد أن غمسهما في دمه، وأنَّ الله أجرى بهما معجزات كثيرة. ولوبوس أيضًا قبض عليه الجند وقطعوا رأسه.
من الأيقونات الأكثر شعبيَّة له تلك الَّتي يمتطي فيها حصانًا ويطعن لاهوش رمز الشيطان.
سيرة القدِّيس ديمتريوس اكتملت في القرن التاسع الميلاديِّ واستشهاده مذكور في مينولوجيون للقدِّيس باسيليوس الثاني في القرن الحادي عشر. وهو له مكانة كبيرة عند المؤمنين.
شفاعة القدِّيس ديمتريوس تكون معنا.
إلى الرّب نطلب.